الثَّيِّبُ الزَّانِي : فالثيب الزاني يحلّ دمه، والثيب هو : الذي جامع في نكاح صحيح،أي متزوج
فإذا زنا بعد أن أنعم الله عليه بنعمة النكاح الصحيح صار مستحقاً للقتل،
ومفهوم قوله "الثَّيِّبُ" لأن البكر( اي الأعزب الغير متزوج ) لايحل دمه إذا زنا،
وهو الذي لم يجامع في نكاح صحيح،
ويكون قتله رجماً بالحجارة حتى الموت
فإن قال قائل: ما الحكمة من كونه يقتل على هذا الوجه ؟
فالجواب: أن شهوة الجماع لا تختص بعضو معين، بل تشمل كل البدن، فلما تلذذ بدن الزاني المحصن بهذه اللذة المحرّمة
كان من المناسب أن يذوق البدن كلّه ألم هذه العقوبة التي هي الحدّ، فالمناسبة إذاً ظاهرة.
ويثبت الزنا بشهادة أربعة رجال مرضيين أنهم رأوا ذكر الزاني في فرج المزني بها ولابدّ،
والشهادة على هذا الوجه صعبة جداً، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
إنه لم يثبت الزنا بالشهادة قطّ، وهو في وقته.
والطريق الثاني لثبوت الزنا أن يقرّ الزاني بأنه زنا
وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ :المقصود به القصاص،
أي أنه إذا قتل إنسانٌ إنساناً آخر عمداً ، مكافئاً له في الدين والحرية والرّق قتل به.
يقُتِلَ حينئذٍ هذا الإنسان بالشروط المعروفة.
وعلى قولنا: في الدين وهو أهم شيء لايقتل المسلم بالكافر، لأن المسلم أعلى من الكافر،
ويقتل الكافر بالمسلم لأنه دونه.
وهل يشترط أن لايكون القاتل من أصول المقتول، أو لا يشترط؟
فالجواب: قال بعض أهل العلم إنه يشترط أن لايكون القاتل من أصول المقتول،
والأصول هم: الأب والأم والجد والجدة وما أشبه ذلك، وقالوا: لا يقتل والد بولده
واستدلّوا بحديث: "لايُقتَلُ الوَالِدُ بوَلَدِهِ"،
وبتعليل قالوا: لأن الوالد هو الأصل في وجود الولد فلا يليق أن يكون الولد سبباً في إعدامه.
وقال بعض أهل العلم: هذا ليس بشرط، وأنه يقتل الوالد بالولد إذا علمنا أنه قتله عمداً،
واستدلوا بعموم الحديث: "النَّفْسُ بالنَّفسِ" وعموم قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)المائدة: من الآية45.
وأجابوا عن أدلة الآخرين فقالوا: الحديث ضعيف، ولايمكن أن يقاوم النصوص المحكمة الدّالة على قتل النفس بالنفس.
وأما التعليل فالتعليل عليل، وجه ذلك: أن الوالد إذا قتل الولد ثم قتِلَ به فليس الولد هو السبب في إعدامه،
بل السبب في إعدامه فعل الوالد القاتل، فهو الذي جنى على نفسه، وهذا القول هو الراجح لقوة دليله بالعمومات
التي ذكرناها، ولأن هذا من أشدّ قطيعة الرحم، فكيف نعامل هذا القاطع الظالم المعتدي بالرّفق واللين، ونقول: لا قصاص عليه.
فالصواب: أن الوالد يقتل بولده سواء بالذكر كالأب، أو الأنثى كالأم.
وَالتَّاركُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ للجمَاعَةِ:
يعني بذلك المرتدّ بأي نوع من أنواع الرّدة.
و المراد بالجماعة أي جماعة المسلمين فالمرتد يقتل .
ولكن هل يستتاب قبل أن يقتل؟
في ذلك خلاف بين العلماء: منهم من قال: لايستتاب، بل بمجرّد أن يثبت كفره فإنه يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلوهُ" ولم يذكر استتابة.
ومنهم من قال: يستتاب ثلاثة أيام إن كان ممن تقبل توبتهم، لأن المرتدين بعضهم تقبل توبتهم،
وبعضهم لاتقبل، فإذا كان ممن تقبل توبته فإننا نستتيبه ثلاثة أيام، أي نحبسه ونقول:
لك مهلة ثلاثة أيام فإن أسلم رفعنا عنه القتل، وإن لم يسلم قتلناه.
والصحيح في الاستتابة: أنها ترجع إلى اجتهاد الحاكم، فإن رأى من المصلحة استتابته استتابه،
وإلا فلا، لعموم قوله : "مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقتُلُوهُ" ولأن الاستتابة وردت عن الصحابة رضي الله عنهم.
وهذا يختلف فقد يكون هذا الرجل الكافر أعلن كفره واستهتر فلاينبغي أن نستتيبه، وقد يكون أخفى كفره
وتاب إلى الله ورأينا منه محبة التوبة، فلكل مقام مقال.
وقولنا: يستتاب من تقبل توبته إشارة إلى أن المرتدين قسمان:
قسم تقبل توبتهم، وقسم لاتقبل.
قال أهل العلم: من عظمت ردته فإنه لاتقبل توبته بأن سب الله، أو سب رسوله، أو سب كتابه،
أو فعل أشياء منكرة عظيمة في الردة، فإن توبته لاتقبل، ومن ذلك المنافق فإنه لاتقبل توبته،
لأن المنافق من الأصل يقول إنه مسلم، فلا تقبل توبته.
وقيل: إن توبته مقبولة ولو عظمت ردته ولو سب الله أو رسوله أو كتابه ولو نافق،
وهذا القول هو الراجح، لكن يحتاج إلى تأنٍّ ونظر: هل هذا الرجل يبقى مستقيماً أو لا؟
فإذا علمنا من حاله أنه صادق التوبة قبلنا توبته لعموم قوله تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) الزمر: من الآية53
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : "التَّوبَةُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا" وهذا عام، وهذا القول هو الراجح وله أدلة.
اما المستهزئ فتقبل توبته بدليل قول الله تعالى:
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة:65-66] ولا عفو إلا بالتوبة.
وفي المنافقين قال الله تعالى(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا *
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ
يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)النساء:145-146 .
فالصواب: أن كل كافر أصلي أو مرتدّ إذا تاب من أي نوع من الكفر فإن توبته مقبولة.
ولكن مثل هؤلاء يحتاجون إلى مراقبة أحوالهم: هل هم صادقون،أو هم يستهزؤون بنا؟
يقولون: إنهم رجعوا إلى الإسلام وهم لم يرجعوا
وإذا تاب يرتفع عنه القتل، لأن إباحة قتله إنما كانت لكفره، فإذا قبلنا توبته ارتفع الكفرعنه فارتفع قتله
إلا من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توبته تقبل لكن يجب أن يقتل،
ويقتل مسلماً بحيث نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، لكننا لانبقيه حياً.
ومن سب الله عزّ وجل إذا تاب فإنه لا يقتل.
فإن قال قائل: على ضوء هذا الكلام أيكون سب الله عزّ وجل دون سب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب: لا والله لا يكون، بل سب الله أعظم، لكن الله تعالى قد أخبرنا أنه عافٍ عن حقه إذا تاب العبد،
فإذا تاب علمنا أن الله تاب عليه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل: من سبّني أو استهزأ بي ثم تاب فأنا أسقط حقي،
وعلى هذا فنحن نقتله لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي لم نعلم أنه عفا عنه.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أناس سبّوه في عهده وارتفع عنهم القتل؟
فالجواب: هذا لا يمنع ما قلنا به لأن الحق حقه، وإذا عفا علمنا أنه أسقط حقه فسقط،
لكن بعد موته هل نعلم أنه أسقط حقه؟
الجواب: لا نعلم، ولا يمكن أن نقيس حال الموت علىحال الحياة،لأننا نعلم أن هذا القياس فاسد،
ولأننا نخشى أن يكثر سب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم
في حياته أعظم من هيبته بعد مماته. والله أعلم.
من فــــوائــــد الحديــــث :
1.احترام دماء المسلمين، لقوله: "لايَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلمٍ" وهذا أمر مجمع عليه دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع،
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء: 93
فقتل المسلم المعصوم الدم من أعظم الذنوب، ولهذا أول ما يقضى بين الناس في الدماء.
2. أن غير المسلم يحلّ دمه ما لم يكن معَاهَداً، أومستأمِناً، أو ذميّاً، فإن كان كذلك فدمه معصوم.
والمعاهد: من كان بيننا وبينه عهد، كما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش في الحديبية.
والمستأمن: الذي قدم من دار حرب لكن دخل إلينا بأمان لبيع تجارته أو شراء أو عمل،
فهذا محترم معصوم حتى وإن كان من قوم أعداء ومحاربين لنا، لأنه أعطي أماناً خاصاً.
والذّميّ: وهو الذي يسكن معنا ونحميه ونذبّ عنه، وهذا هو الذي يعطي الجزية بدلاً عن حمايته وبقائه في بلادنا.
إذاً قوله: "لايَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ" يخرج بذلك غير المسلم فإن دمه حلال إلا هؤلاء الثلاثة.
3. حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرد كلامه أحياناً بالتقسيم، لأن التقسيم يحصر المسائل
ويجمعها وهو أسرع حفظاً وأبطأ نسياناً.
4. أن الثيب الزاني يقتل، برجمه بالحجارة، وصفته: أن يوقف ويرميه الناس بحجارة لاكبيرة ولا صغيرة،
لأن الكبيرة تقتله فوراً فيفوت المقصود من الرّجم، والصغيرة يتعذّب بها قبل أن يموت، بل تكون وسطاً،
فالثيب الزاني يرجم بالحجارة حتى يموت،سواء كان رجلاً أم امرأة.