طه الفزارى المشرف العام
عدد المساهمات : 965 حسناتى الى الان : 13864 تاريخ الميلاد : 25/09/1980 تاريخ التسجيل : 10/07/2009 العمر : 44
| موضوع: غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم الثلاثاء يناير 12, 2010 1:42 pm | |
|
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،، الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وعبده، أما بعد:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " .
(أخرجه السبعة: رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة، رقم 879 ، ومسلم ، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، رقم 846، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة، رقم 341، والنسائي، كتاب الجمعة، باب الأمر بالسواك يوم الجمعة، رقم 1375، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة، رقم 1089، وأحمد 3/60، والحديث لم يخرجه الترمذي) . الـــــشـــــرح: " والسبعة " هم: البخاري، ومسلم، وأحمد،وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " غسل يوم الجمعة واجب " : فأضافه إلى الجمعة، والأصل أن الجمعة هي الصلاة لا اليوم، ولهذا يقال يوم الجمعة، وبه نعلم أن الغسل هنا للصلاة وليس لليوم. وقوله: " واجب " : الواجب هو الشيء الثابت اللازم، ومنه قوله تعالى: " فإذا وجبت جنوبها "(الحج 36) ، أي سقطت، ومنه قولهم: (وجبت الشمس) يعني غابت، لأن هذا مكث وثبوت، وهو عند الأصوليين: ما أمر به على وجه الإلزام، ويثاب فاعله امتثالا، ويستحق العقاب تاركه. " على كل محتلم " : أي على كل بالغ، وذلك أن البلوغ يحصل بالاحتلام وهوإنزال المني بشهوة في حال النوم، فيكون هذا القيد مبينا لما سنذكره إن شاء الله تعالى. في هذا الحديث نص صريح واضح على أن غسل الجمعة واجب، والمتكلم به أفصح الخلق، والمتكلم به أنصح الخلق، والمتكلم به أعلم الخلق، فهو صلى الله عليه وسلم اجتمع في كلامه العلم والفصاحة والنصح، ومثل هذا لا يمكن أن يقول قولا يوهم معنى غير ظاهره، ونحن إذا نظرنا إلى الظاهر، عرفنا أنه الوجوب المتحتم، ويدل لهذا أنه علقه بوصف يقتضي التكليف وهو: " الاحتلام " فيكون هذا دليلا واضحا على أن المراد بالوجوب اللزوم. وهذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله منهم من قال: إن الاغتسال للجمعة اغتسال لليوم فيجوز أن يغتسل قبل الصلاة وبعد الصلاة، لكن هذا قول ضعيف، ولولا أنه قيل ما حسن نقله. والصواب: أن الغسل قبل الجمعة لكن اختلفوا، هل هو واجب أو سنة مطلقا في القولين، أو واجب على من كان فيه رائحة، أو حيث تتوقع الرائحة كأيام الصيف التي يكثر فيها العرق والنتن ؟ . فالأقوال ثلاثة: الأول: الوجوب. والثاني: الاستحباب. والثالث: التفصيل: فإن كان مظنة انبعاث الرائحة الكريهة، أو كان نفس الإنسان فيه عرق ووسخ كثير تنبعث منه الرائحة الكريهة، كان الغسل واجبا وإلا فلا. والذي تقتضيه الأدلة: أن الغسل واجب مطلقا (وهو اختيار ابن حزم، وابن القيم. انظر: المحلى 5/75 ، زاد المعاد 1/376) ، لأن الأحاديث عامة " غسل يوم الجمعة واجب " والقائل بهذا يعرف بماذا يتكلم، ويعرف من يخاطب صلى الله عليه وسلم. ويدل للوجوب: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرح به، ولو أن هذه العبارة في متن من متون الفقه ما توقف شارح المتن بأن المؤلف يرى الوجوب، فكيف وهي في الحديث، ويدل لذلك أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم بوصف يقتضي التكليف والإلزام وهو البلوغ، ويدل لذلك أيضا الأوامر الأخرى مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل "(رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة ... ، رقم 877 ، ومسلم، كتاب الجمعة، رقم 844) والأصل في الأمر الوجوب. ويدل لذلك أيضا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب فكأنه لامه على تأخره فقال: " والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت " ، فقال: " والوضوء أيضا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل " ، فلامه على عذره حيث إنه اقتصر على الوضوء، وتعلمون أن المتكلم عمر رضي الله عنه خليفة المسلمين، والمخاطب عثمان بن عفان رضي الله عنه أفضل الصحابة بعده، والجمع هم الصحابة رضي الله عنهم، فكيف يمكن لعمر أن يوبخ عثمان رضي الله عنهما على الاقتصار على الوضوء في هذا الجمع العظيم مع علو منزلته رضي الله عنه لولا أن الاغتسال واجب. فالصواب عندي كالمقطوع به: أن غسل الجمعة واجب على كل إنسان، وما تركته منذ علمت بهذا الحديث لا صيفا، ولا شتاء، ولا حرا، ولا بردا، ولا إذا كان فيَّ مرض أتحمل معه الاغتسال، وقلت هذا حتى تعلموا أنني لا أشك في وجوبه، وأرى أنه لابد أن يغتسل الإنسان. وسبحان الله ماذا يكون جوابنا لله رب العالمين يوم القيامة إذا قال: " أبلغكم رسولي بأنه واجب ؟ " فنقول: ليس بواجب، فقوله: " واجب " يعني مؤكد، فهذا ليس جوابا صوابا. فإن قال قائل: إذا كان واجبا فهل هو شرط لصحة الصلاة ؟ . فالجواب: لا، لدليلين: الأول: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يلزم عثمان رضي الله عنه أن يذهب ويغتسل، ولو كان شرطا لألزمه، لأن معه وقتا يدرك به الجمعة يمكنه أن يذهب ويغتسل ويرجع ويصلي الجمعة. الثاني: أن الله سبحانه وتعالى إنما أوجب الغسل للصلاة من الجنابة فقال: " وإن كنتم جنبا فاطهروا "(المائدة 6) ، فأوجب التطهر للصلاة من الجنابة فقط. وعليه فلو أن الإنسان ترك الغسل يوم الجمعة ثم صلى فهل نقول: إن صلاته باطلة ؟ لا، بل نقول: صلاته صحيحة ولكنه آثم بترك الغسل. فإذا قال قائل: لو أنه نوى بغسل الجمعة الغسل من الجنابة وللجمعة أيجزئ أم لا ؟ . الصواب: أنه يجزئ، لأنهما عبادتان من جنس واحد متفقتان في الهيئة والوصف فقامت إحداهما مقام الأخرى. ولكن لو أراد أن يفرد أحدهما بنية فهل ينوي الغسل من الجنابة، ويندرج فيه غسل الجمعة أو بالعكس ؟ . الجواب: الأول: فنقول: إذا كنت تريد أن تقتصر على نية واحدة فانوِ غسل الجنابة، لأنك إذا نويت غسل الجنابة أديت ما يجب بالنسبة لغسل الجمعة، لأنه حصل المقصود بالاغتسال، لكن إذا نويت غسل الجمعة وأنت عليك جنابة فإنها لا ترتفع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى "(رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي ؟ ، رقم 1 ، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنية " ، رقم 1907) . هناك قول آخر: أشرنا إليه وهو أنه لابد أن يغتسل للجنابة غسلا تاما وللجمعة غسلا تاما، وهذا رأي ابن حزم رحمه الله، يقول: لأنهما طهارتان واجبتان اختلف سببهما، فوجب أن يجعل لكل سبب طهارته. لكن الصحيح الأول، وهو أنه إذا نواهما جميعا حصلا، وإن نوى غسل الجنابة سقط به غسل الجمعة، وإن نوى غسل الجمعة لم ترتفع الجنابة، لأن هذا الغسل ليس عن حدث، وإنما هو واجب للجمعة لا لكونه عن حدث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " . لكن بعض العلماء يقول: إذا نسي الجنابة أو جهلها واغتسل للجمعة ثم ذكر أو علم، فإنه يجزئ لأنه حينئذ معذور، لكن في النفس من هذا شيء، والأولى أن يعيد الغسل ويعيد الصلاة، والصلاة ستكون ظهرا. ومن العلماء من قال: إن هذا الحديث – حديث أبي سعيد – لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على التأكيد، واستدلوا بالحديث الآتي: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل.
(رواه الخمسه وحسنه الترمذي: رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، رقم 354، والترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، رقم 497، والنسائي، كتاب الجمعة، باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، رقم 1380، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة ... ، باب ما جاء في الرخصة ... ، رقم 1091، وهو معلول. وقد أبان شيخنا رحمه الله علته) . الـــــشـــــرح: فقوله: " من توضأ " : من شرطية، أي إنسان يتوضأ يوم الجمعة للجمعة. " فبها " : أي: فبالرخصة أخذ. " ونعمت " : أي : ونعمت الرخصة، ويجوز أن يكون الضمير يعود على الطهارة أي فبالطهارة أخذ ونعمت الطهارة يعني طهارة الوضوء. وقوله: " ومن اغتسل فالغسل أفضل " : قال: " الغسل أفضل " وهذا يدل على أن الغسل ليس بواجب، لأنه بالانضمام إلى قوله: " فبها ونعمت " لو كان واجبا لم يقل إنه أفضل، ولكن هذا الحديث: أولا: فيه مقال من حيث السند، فهو ضعيف من حيث السند، ومعلوم أنه لا يمكن لهذا الحديث الضعيف السند أن يقاوم حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه الأئمة كلهم. ووجه ضعفه: أنه من رواية الحسن البصري عن سمرة، وقد اختلف العلماء فيها: هل هي متصلة أو منقطعة ؟ فمنهم من أثبت سماعه من سمرة مطلقا، ومنهم من قال: إنها غير متصلة إلا في حديث العقيقة، ومنهم من قال: ليست متصلة مطلقا. وعلى كل حال: فمتى ثبت سماعه منه، فإنه لا يقتضي أن يسمع منه كل حديث، وما دام أن الحسن رحمه الله معروفا بالتدليس، فإن روايته بعنعنة لا تحمل على الاتصال إلا إذا صرح بالتحديث بهذا الحديث بعينه في موضع آخر فهو متصل، وإلا فليس بمتصل، وروايته هنا بالعنعنة. ثانيا: أن هذا الحديث إذا تأملت لفظه، وجدته لفظا ركيكا يبعد أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عليه طلاوة وحلاوة ورونق، عند قراءته للوهلة الأولى تعرف أنه كلام الرسول، لا سيما إذا كنت تكرر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر عليك ورودها، فإنك ربما تعرف الشيء من كلامه، كما أنك لو كنت معتادا أن تقرأ كلام عالم من العلماء لعرفت أنه كلامه، وإن لم ينسب إليه إذا مر بك في موضغ آخر. فالصواب أن هذا الحديث في سنده مقال فلا يثبت على قدميه فضلا عن أن يعارض حديث أبي سعيد الخدري. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ..____..____..____..____..____.. الـــــمـــــصـــــدر: سلسلة مؤلفات فضيلة الشيخ (54) كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المجلد الأول كتاب الطهارة – باب الغسل وحكم الجنب – حديث رقم 108 ، 109 طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية – عنيزة مدار الوطن للنشر – الرياض
| |
|